فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

عِبَادَ اللهِ إن شأن الصَّلاة عَظِيم جداً في ديننا معشر المسلمين وفي كُلّ دين وأسرارها العظيمة وبركاتها العميمة وفوائدها الكثيرة لا تخفي علي كثير من الْمُؤْمِنِين.
ولَيْسَتْ الصَّلاة مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا تفهم ولا خشوع من قلب لَيْسَتْ تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديكة ويخطفها خطف الغراب ويمر بها مر السحاب كأن وراءه طالب حثيث ويلتفت فيها التفات الثعلب يميناً وشمالاً وفوقاً وتحتاً.
كلا فالصَّلاة المقامة تماماً هِيَ التي تأخذ حقها من التأمل والخشية والخضوع والسكون واستحضار عظمة المعبود جل جلاله.
وَذَلِكَ أن القصد من الصَّلاة وسائر العبادات هُوَ تذكير الإِنْسَان بربه الأعلى الَّذِي خلق فسوي والَّذِي قدر فهدي.
والصَّلاة صلة بين الْعَبْد وربه تقوي بها محبة الْعَبْد لربه كُلَّما تكررت قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكُلَّما كانت المحبة أقوي كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل فليزن الْعَبْد إيمانه ومحبته بهَذَا الميزان ولينظر هل هُوَ ملتذ بخدمة محبوبه أو متكره لها يأتي بها علي السآمة والملل والكراهة فهَذَا محك إيمان الْعَبْد ومحبته لله.
قال بعض السَّلَف إني أدخل في الصَّلاة فأحمل هم خروجي منها ويضيق صدري إذا فرغت لأني خارج منها ولهَذَا قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت قرت عيني في الصَّلاة ومن كانت قرة عينه في شَيْء فإنه لا يود أن يفارقه ولا يخَرَجَ منه فإن قرة عين الْعَبْد نعيمه وطيب حَيَاتهُ به، وَقَالَ بعض السَّلَف إني لأفرح بالليل حين يقبل لما تتلذذ به عيشتي وتقر به عيني من مناجاة من أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه واغتم للفجر إذا طلع لما اشتغل به النَّهَارَ عن ذَلِكَ فلا شَيْء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته أين هَؤُلاَءِ ممن لذتهم وأنسهم عَنْدَ المنكرات.
وَقَالَ بَعْضهمْ تعذبت بالصَّلاة عشرين سنة ثُمَّ تنعمت بها عشرين سنة وهذه اللذة والتنعم بالخدمة إنما تحصل بالمصابرة علي التكره والتعب أولاً فإذا صبر عَلَيْهِ وصدق في صبره أفضي به إلى هذه اللذة.
وَقَالَ أبو زيد سقت نفسي إلى الله وهي تبكي فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك اهـ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وأقم الصَّلاة لذكري} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنما فرضت الصَّلاة وأمر بالحج وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله» رواه أبو داود، ولهَذَا كانت عنوان علي الفلاح قال تَعَالَى: {إنما يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْم الآخرِ وَأَقَامَ الصَّلاة}.
والمراد بعمارتها بالصَّلاة والقربات وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإِيمَان». فإن الله يَقُولُ: {إنما يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْم الأخرِ وَأَقَامَ الصَّلاة}.
وجَاءَ ذكر الصَّلاة في القرآن في مواضع كثيرة وأثني جَلَّ وَعَلا علي المقيمين لها والمحافظين عَلَيْهَا وأخبر أنها تنهي عن الفحشاء والْمُنْكَر ومن دعاء الخليل عَلَيْهِ السَّلام أنه يسأل ربه أن يجعله مقيماً لها قال تَعَالَى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاة وَمِن ذُرِّيَّتِي}.
ومدح بها إسماعيل قال تَعَالَى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاة وَالزَّكَاة وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} وأمر جَلَّ وَعَلا موسى بإقامتها أول ما يأمره به في ساعات الوحي الأولي قال تَعَالَى: {وَأنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَي * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا آله إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي} وَقَالَ له ولهارون: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاة}.
وفي وصية لقمان لابنه يا بني أقم الصَّلاة وأمر بالمعروف وانه عن الْمُنْكَر... الآية وينطق الله عيسي وَهُوَ في مهده فَيَقُولُ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَاة مَا دُمْتُ حَيّاً}.
ويأمر الله بها صفوة خلقه وخاتم أنبيائه فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلا: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إليكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاة إِنَّ الصَّلاة...} وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلا وتقدس: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاة وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
ويبتدؤ بها أوصاف الْمُؤْمِنِين ويختم بها فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وتعالي {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} الآيات إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَي صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
ويؤكد المحافظة عَلَيْهَا حضراً وسفراً وفي الأمن والخوف والسلم والحرب: {حَافِظُواْ عَلَي الصَّلَوَاتِ والصَّلاة الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانَاً}.
وأخبر جَلَّ وَعَلا عمن أضاعوا الصَّلاة واتبعوا الشهوات أن عاقبة أعمالهم وسوء مالهم شر وخسران فَقَالَ: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}.
وجعلها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الشعار الفاصل بين المسلم والكافر فَقَالَ بين الرجل وبين الكفر ترك الصَّلاة وَقَالَ العهد الَّذِي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تركها فقَدْ كفر وفي الْحَدِيث الآخر من ترك الصَّلاة متعمداً فقَدْ برئت منه ذمة الله ورسوله وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله.
ومِمَّا يدل علي عظم شأن الصَّلاة مَعَ تقدم اهتمام المسلمين بتوجيه المحتضَرِ وَهُوَ في سكرات الموت إلى القبلة وكَذَلِكَ وضعه في قبره متجهاً إلى القبلة وما ذاك إِلا أنها الجهة التي يتجه إليها كُلَّما أراد أن يتعرف إلى ربه ويدعوه ويجدد الصلة بينه وبين ربه في الصَّلاة.
عَلَى الصَلْواتِ الخَمْسِ حَافِظْ فَإِنّهَا ** لاَكَدُ مَفْرُوْضِ عَلَى كُلِّ مُهْتَدِ

فَلاَ رُخْصَةِ فِي تَرْكِهَا لِمُكَلَّفٍ ** وأَوْلُ مَا عَنْهُ يُحَاسَبُ فِي غَدِ

بإهْمَالِهَا يَسْتَوجِبُ المَرَءُ قَرْنَهُ ** بِفرعَونَ مَعَ هَامَانَ فِي شَرِ مَوْردِ

وَمَازَالَ يُوصِيْ بالصَّلاَةِ نَبِيُّنَا ** لَدَى المَوْتِ حَتَّى كَلَّ عَنْ نُطْقِ مِذْوَد

اللَّهُمَّ انهج بنا مناهج المفلحين وألبسنا خلَع الإِيمَان واليقين، وخصنا منك بالتَّوْفِيق المبين، ووفقنا لقول الحق وإتباعه وخلصنا مِنَ الْبَاطِلِ وابتدعه، وكن لنا مؤيداً ولا تجعل لفاجر عَلَيْنَا يداً واجعل لنا عيشاً رغداً ولا تشمت بنا عدواً ولا حاسداً، وارزقنا عِلماً نافعاً وعملاً متقبلاً، وفهماً ذكياً صفياً وشفاءً من كُلّ داء، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
فصل:
إذا فهمت ذَلِكَ فعَلَيْكَ أن تعتني بها وتجتهد في كُلّ ما يصلحها ويكملها تجتهد أولاً في الطهارة والنظافة في جسمك وثوبك وموضع فعَلَيْكَ أولاً بالاستبراء من البول والغائط بأن تتأني قليلاً حتى يخَرَجَ البول كله بدون نتر.
وهو دفع بقيت البول وبدون مصر للذكر فإن الْعَمَل يحدث السلس وتغسل محل الغائط حتى يعود المحل كما قبل التغوط خال من آثار النجاسة ولزوجتها لئلا تَكُون حاملاً للنجاسة في صلاتك فتبطل.
ثُمَّ عَنْدَ الوضوء تزيل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة من مرهم أو وازلين أو دهن علي غير جرح يضره الماء وتتفقَدْ عَنْدَ الوضوء أخمص القدمين والعقب وَهُوَ مؤخر القدم وأعلي الجبة وما حول المرافق.
وفي الغسل صماخ الأذنين وطي الركبتين وما تحت الشعور والإبط والسرة وما بين الأصابع أصابع الرجلين والأظافر إن كانت طواِلاً وتمنع الماء ويضرك قصها وإِلا فتقصها ثُمَّ بعد تنتبه لهذه الدقائق.
وتَكُون محسناً للوضوء وتسعي في تفقد ما يفسدها أو ينقصها كما تراه في فعل الصَّلاة عَنْدَ بعض النَّاس تري عنده من العبث والحركة والتلفت ما يجعلك في شك منه هل هُوَ في صلاة أم لا فتجده أحيانَاً ينظر ساعته وأحيانَاً يصلح غترته وأحيانَاً يواسي ثوبه ويطالعه وأحيانَاً يعبث في محل لحيته وأحيانَاً في أنفه أو عينه وفي خفهِ، وفي ركوعه وسجوده ما يدهشك.
ولعلك تظن أن هَذَا مبالغة ولكن إذا أردت الوقوف علي ذَلِكَ فَانْظُرْ بعد ما تسلم إلى الَّذِينَ يكلمون وإلي من يصلي وحده وعلي كُلّ حال الأَمْر عَظِيم ومَعَ ذَلِكَ النَّاس في غَفْلَة وسهو عن ذَلِكَ.
وأما الطُّمَأْنِينَة في الصَّلاة فيفهم قدر تركها من حديث المسيء في صلاته الَّذِي رواه أبو هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلي ثُمَّ جَاءَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسلم عَلَيْهِ فَقَالَ له صلى الله عليه وسلم وعَلَيْكَ السَّلام ارجع فصل فإنك لم تصل.
فصلي ثُمَّ جَاءَ فسلم فَقَالَ وعَلَيْكَ السَّلام فارجع فصل فإنك لم تصل فصلي ثُمَّ جَاءَ فسلم فَقَالَ وعَلَيْكَ السَّلام فَقَالَ في الثَّانِيَة أو في التي تليها علمني يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «إذا قمت إلى الصَّلاة فأسبغِ الوضوء، ثُمَّ استقبل القبلة فكبِّر ثُمَّ اقَرَأَ ما تيسر معك من القرآن ثُمَّ اركع حتى تطمئن راكعاً ثُمَّ ارفع حتى تستوي قائماً ثُمَّ اسجد حتى تطمئن ساجداً ثُمَّ ارفع حتى تطمئن جالساً ثُمَّ اسجد حتى تطمئن ساجداً ثُمَّ ارفع حتى تطمئن جالساًَ، ثُمَّ افعل ذَلِكَ في صلاتك كُلّهَا» رواه البخاري ومسلم فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لمن ترك الطُّمَأْنِينَة ارجع فصل فإنك لم تصل فإن هَذَا نفي صريح في أن الرجل وإن كَانَ يفعل صورة الصَّلاة في رأي العين لم يأت بحَقِيقَة الصلاة.
والَّذِي جعله كذلكَ تركه للطمأنينة فيها وهي ركن من أركانها إذاً فليطمئن الَّذِي يريد أن يصدق عَلَيْهِ أنه صلي وليعلم أَهْل السرعة والنقر ذَلِكَ تماماً وليمرنوا أنفسهم علي التأني والتريث والرفق حتى يعدوا في فريق المصلين.
وإن لم يطمئنوا فليعلموا أنهم هم وتارك الصَّلاة سواء حكمهم بمقتضي قوله صلى الله عليه وسلم للمستعجل في صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل، وَقَالَ أبو هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ونهاني عن ثلاث نهاني عن نقرة كنقرة الديك العجلة في الصَّلاة، وإقعاء كإقعاء الكلب، وضع الإلية على الأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض.
والتفات كالتفات الثعلب، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لا يزال الله مقبلاً علي الْعَبْد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عَنْهُ ونهي صلى الله عليه وسلم عن رفع البصر إلى السماء في الصَّلاة، إذا علمت ذَلِكَ فابذل يا أخي كُلّ ما في وسعك من الاجتهاد في تكميل صلاتك وَاحْذَر من التفريط فيها فعَلَيْهَا مدار عَظِيم.
والمعاني التي تتم بها الصَّلاة كثيرة منها حضور الْقَلْب ومعناه أنك تفرغ قلبك عن الشواغل التي تتعلق بالدُّنْيَا وزينتها متفهماً لما تتلوه أو تقوله أو تسمعه إن كنت مأموماً فتصرف ذهنك وهمتك إلى إدراك المعني بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها فإن المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر والهواجس عَنْهَا والمواد إما ظاهرة وهي ما يشغل السمَعَ والبصر.
وإما باطنة وهي أشد كمن تشبعت به الهموم في أودية الدُّنْيَا فإنه لا ينحصر فكره في فن واحد ولم يغنه غض البصر لأن ما وقع في الْقَلْب كافٍ في الاشتغال به.
وعلاج ذَلِكَ إن كَانَ من المواد الظاهرة بقطع ما يشغل البصر والسمَعَ وَهُوَ القرب من القبلة والنظر إلى موضع السجود والابتعاد في الصَّلاة عما فيه نقوش أو تطريز أو نحو ذَلِكَ مِمَّا يلهي ويشغل الْقَلْب فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلي في أنبجانية فيها أعلام ونزعها وَقال: «إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي».
وإن كَانَ من المواد الباطنة فطَرِيق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقَرَأَ في الصَّلاة ويشغلها به عن غيره ويستعد لذَلِكَ قبل الدخول في الصَّلاة بأن يقضي أشغاله ويجتهد علي تفريغ قَلْبهُ عن الهواجس ويجدد علي نَفْسهُ ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ وهول المطلع.
فإن لم تذهب وتسكن الأفكار بذَلِكَ فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه وناسب لهوه فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق.
واعْلَمْ أن العلة والمرض متي تكمن لا ينفع فيه إِلا الدواء القوي والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تقضي الصَّلاة في المجاذبة ومثل ذَلِكَ كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره أو أراد أن ينام وكانت هذه الشجرة مأوي للعصافير تقع عَلَيْهَا وتشوش عَلَيْهِ بأصواتها وحركاتها وفي يده عصا يطردها به فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها.
فقيل له هَذَا شَيْء يدوم لا ينقطع فإن أردت الخلاص مِمَّا شوش عَلَيْكَ فاقطع الشجرة فكَذَلِكَ شجرة الشهوة وحب الدُّنْيَا إذا ارتفعت وتفرقت أغصانها انجذبت إليها الأفكار فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع والسبب الوحيد حب الدُّنْيَا فهو الَّذِي يجذب الأفكار ويولدها وينميها فعلي العاقل أن يجتهد في قلع حبها وَهُوَ صعب جداً علي أكثر الخلق.
ولهَذَا كَانَ السَّلَف يعتنون بالصَّلاة اعتناءً عظيماً ويتلذذون بها ويحزنون لانقضائها وَقَالَ بَعْضهمْ تفقدوا قلوبكم في ثلاثة مواضع في الصَّلاة وفي القرآن وفي ذكر الله فإن وجدتم حلاوة وإِلا فالْبَاب مغلق.
ومن المؤسف أنك تجد كثيراً من النَّاس يأتي الصَّلاة كالمكره بدَلِيل أنه إذا تأخر الإمام ولو قليلاً ضاقت صدورهم مَعَ أنه في صلاة ما انتظروا الصَّلاة وتجدهم يسرعون الْخُرُوج بعدها بخلاف المجيء إليها.
وتجدهم يحرصون علي الإمام الَّذِي ينقرها مَعَ أنه في أمور الدُّنْيَا علي العكس إذا أراد أحدهم أن يذهب إلى طبيب ليكشف عَلَيْهِ حرص علي من يتركد ويطمئن ويطيل الفحص ويتقنه ولو بزيادة كثيرة لما يؤمله من النصح وإتقان الْعَمَل.
وكَذَلِكَ إذا أراد صنعه شَيْء حرص علي البصير الخبير المتقن لذَلِكَ.
أما في الصَّلاة فكما ذكرنا ما يهتم لها ولا يبالي ويراها عَلَيْهِ أثقل من أحد ورضوي وهي عشر دقائق أو أقل ولو وقف مَعَ صديق له أو قريب أو زميل ساعة أو أكثر وأراد التفرق لقال ساعة المحب قصيرة لأنسه به وتلذذه بمناجاته.
وأما رب العالمين الَّذِي نعمه عَلَيْهِ لا تعد ولا تحصي فالوقوف أمامه طويل وإن كَانَ قصيراً وصدق الله العَظِيم حيث يَقُولُ: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} فلا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ العلي العَظِيم: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وَمِنَ البَلِيَّةِ أَنْ تَرَى لَكَ صَاحِبَاً ** فِي صُورَةِ الرَجُلِ السَمْيِعِ المُبْصِرِ

فِطِنُ بِكُلِّ مُصِيْبَةٍ فِي مَالِهِ ** وَإِذَا يُصَابُ بِدِيْنِهِ لَمْ يَشْعُر

آخر:
فِي أَنَّ الدُّنْيَا ** بقُلُوبِ النَّاسِ مُتَمَكِنْ حُبُّهَا

هِيَ المُشْتَهَى والمُنْتَهَى ومَعَ السُّهَى ** أمَانِيٌ مِنْهَا دُوْنَهُنَّ العَظَائِمُ

وَلَمْ تَلْقَنَا إِلاَّ وفِيْنَا تَحَاسُدٌ ** عَلَيْهَا وإِلاَّ فِي الصُّدُوْرِ سَخَائِمُ

وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.

.فصل في نماذج من حلمه صلى الله عليه وسلم:

وإليك نماذج من حلمه فقَدْ أراد مرة أن يعلم أصحابه الحلم والأناة والتؤدة وضبط النفس فروي أن أعرابياً جَاءَ يَوْمًاً يطلب من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً فأعطاه صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قال له أحسنت إليك قال الأعرابي ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثُمَّ قام صلى الله عليه وسلم ودخل منزله فأرسل إليه وزاده شَيْئاً ثُمَّ قال له أحسنت إليك قال نعم فجزاك الله من أَهْل وعشيرة خيراً.
فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنك قُلْتُ ما قُلْتُ آنفاً وفي نفس أصحابي من ذَلِكَ شَيْء فان أحببت فقل بين أيديهم حتى يذهب ما في صدورهم عَلَيْكَ قال نعم فَلَمَّا كَانَ الغد جَاءَ فَقَالَ له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إن هَذَا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي أكَذَلِكَ قال نعم فجزاك الله من أَهْل وعشيرة خيراً.
فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل هَذَا وكمثل رجل له ناقة شردت عَلَيْهِ فاتبعها النَّاس فلم يزيدوها إِلا نفوراً فناداهم صاحبها فَقَالَ لهُمْ خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض فردها حتي جاءت واستناخت وشد عَلَيْهَا رحلها واستوي عَلَيْهَا وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار.
ومن ذَلِكَ ما ورد عن جابر بن عَبْد اللهِ رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يقبض للناس يوم حنين من فضة في ثوب بلال فَقَالَ رجل يا نَبِيّ اللهِ أعدل فقام عمر فَقَالَ ألا أضرب عنقه فإنه منافق فَقَالَ: «معاذ الله أن يتحدث النَّاس أني أقتل أصحابي». رواه مسلم.
ومن ذَلِكَ ما ورد عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعَلَيْهِ برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظر إلى صفحة عاتق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقَدْ أثرت بها حاشية البرد من شدة الجبذة ثُمَّ قال يا مُحَمَّد مر لي من مال الله الَّذِي عندك فالتفت إليه فضحك ثُمَّ أمر له بعطاء متفق عَلَيْهِ.
ومن ذَلِكَ ما ورد عن أَبِي هُرَيْرَةِ رضي الله قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فَجَاءَ أعرابي فَقَالَ يا مُحَمَّد من يمنعك مني فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يمنعني منك ضع السيف فوضعه، ولم يعاقبه صلى الله عليه وسلم.
وورد أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يقسم تمراً في عرجونه في يوم شديد الحر فهجم عَلَيْهِ أعرابي فضايقه فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجونه فَقَالَ له الرجل أتضربني يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ له خذ فاقتص فَقَالَ له بل عفوت يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْظُرْ إلى عفوه صلى الله عليه وسلم عن الرجل الَّذِي أراد قتله فإنه لفت بعفوه نظر الرجل إلى مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ولذَلِكَ ذهب الرجل إلى قومه فَقَالَ لّهُمْ جئتكم من عَنْدَ خَيْر النَّاس.
وفي ذَلِكَ من توجيههم إلى النظر في تعاليمه والبحث فيما جاءهم به من عَنْدَ ربهم ما قَدْ يكون سبباً في إسلامهم وهدايتهم وهذه هِيَ النتيجة التي يسعي لها صلى الله عليه وسلم.
ومن ذَلِكَ ما أخرجه الطبراني عن عَبْد اللهِ بن سلام بإسناد رجاله ثقات.
قال لما أراد الله هدي زيد بن سعنة قال زيد: ما من علامَاتَ النبوة شيء إِلا وقَدْ عرفتها في وجه مُحَمَّد حين نظرت إليه إِلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عَلَيْهِ إِلا حلماً.
قال زيد فخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل علي راحلته كالبدوي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لي نفر في قرية بني فلان قَدْ أسلموا ودخلوا في الإسلام وَكُنْت قَدْ حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً وقَدْ.
فأنَا أخشي يَا رَسُولَ اللهِ أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً فإن رَأَيْت أن ترسل إليهم بشَيْء تغيثهم به فعلت فنظر إلى رجل بجانبه أراه علياً فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ ما بقي منه شيء قال زيد بن سعنة فدنوت إليه فقُلْتُ يا مُحَمَّد هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم إلى أجل كَذَا وَكَذَا قال لا تسمي حائط بني فلان قلتُ نعم فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كَذَا وَكَذَا فأعطاها الرجل وَقَالَ اعدل عَلَيْهمْ وأغثهم.
قال زيد فَلَمَّا كَانَ قبل محل الرجل بيومين أو ثلاث خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه.
فَلَمَّا صلي علي الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بمجامَعَ قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ قُلْتُ يا مُحَمَّد ألا تقصيني حقي فوَاللهِ ما علمت بني المطلب إِلا مطلاً ولَقَدْ كَانَ بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وعَيْنَاهُ تدوران في وجهه كالفلك المستدير.
ثُمَّ رماني ببصره فَقَالَ: يا عدو الله أتقول لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما أسمَعَ وتصنع به ما أري فوالَّذِي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى في سكون وتؤده.
فَقَالَ ياعمر أَنَا وَهُوَ كنا أحوج إلى غير هَذَا أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمر مكَانَ ما رُعتَهُ فال زيد فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر.
فقُلْتُ ما هذه الزيادة ياعمر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكَانَ ما رعتك قال وتعرفني يا عمر قال لا قُلْتُ أَنَا زيد بن سعنة قال الحبر قُلْتُ الحبر قال فما دعاك إلى أن فعلت برسولي ما فعلت وقُلْتُ له ما قُلْتُ.
قُلْتُ يا عم لم يكن من علامَاتَ النبوة شَيْئاً إِلا وقَدْ عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إِلا اثنتين لم أخبرهما منه. يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عَلَيْهِ إِلا حلماً.
وقَدْ اختبرتهما أشهدك يا عمر أني قَدْ رضيت بِاللهِ رباً وبالإسلام ديناً وبمُحَمَّد نبياً وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالاً صدقة علي أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قال عمر أو علي بَعْضهمْ فإنك لا تسعهم قُلْتُ أو علي بَعْضهمْ فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ زيد أشهد أن لا إله إِلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وآمن به وصدقة وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة.
ثُمَّ توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبرٍ – رحمَ اللهُ زيداً، من هذه الآثار وما يأتي بعدها يتبين لك كيف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسط وأقامه علي نَفْسهِ وأتباعه وأصحابه بلا محاباة ولا مداهنة فكَانَ في ذَلِكَ في القمة العإلية التي لا يصل إليها راق في تنفيذ أمر الله وتطبيقه علي الكبير والصغير والقوي والضعيف والشريف والوضيع والسيد والمسود.
اللَّهُمَّ ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب الْعَمَل الَّذِي يقربنا إلى حبك، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ إيماننا ثبوت الجبال الراسيات ووفقنا للعمل بالباقيات الصالحات واعصمنا يا مولانَا عن المحرمَاتَ والمشتبهات واغفر لنا جَمِيع الخطايا والزلات وافتح لدعائنا باب القبول والإجابات يا أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
ومن ذَلِكَ حلمه مَعَ الأعرابي الَّذِي قال له أتضربني يَا رَسُولَ اللهِ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يتماد في غضبه ولم يستنكر من الأعرابي استفهامه الَّذِي فيه المطالبة فَقَالَ للأعرابي خذ العرجون واقتص مني.
ولَقَدْ بلغ من حلمه صلى الله عليه وسلم أنه لم يضرب امرأة ولا خادماً ولما قيل له وَهُوَ في القتال لو لعنتهم يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانَاً وعِنْدَمَا لقي صلى الله عليه وسلم من قومه أشد ما لقي ناداه ملك الجبال وسلم عَلَيْهِ.
ثُمَّ قال يا مُحَمَّد إن الله سمَعَ قول قومك وأنَا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت أن أطبق عَلَيْهمْ الأخشبين فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخَرَجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شَيْئاً.
ولما أذاه المشركون يوم أحد وكسروا رباعيته وشجوا وجهه وشق ذَلِكَ علي أصحابه فَقَالُوا لو دعوت عَلَيْهمْ فَقَالَ إني لم أبعث لعانَاً ولكن بعثت داعياً ورحمة اللَّهُمَّ اغفر لقومي أو اهدِ قومي فَإِنَّهُمْ لا يعلمون.
وَقَالَ أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خدمت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشَيْء صنعته: لم صنعته ولا لشَيْء لم أصنعه لمَ لمْ تصنعه وكَانَ إذا عاتبني بعض أهله يَقُولُ دعوه فلو قُضِيَ لكَانَ.
وقَدْ روي أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاةٍ فَقَالَ رجل يَا رَسُولَ اللهِ علي ذبحها وَقَالَ آخر علي سلخُها وَقَالَ آخر علي طبخها فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي جمعُ الحطب فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ نكفيك الْعَمَل فَقَالَ علمت أنكم تكفونني ولكن أكره أن أتميز عليكم وإن الله سُبْحَانَهُ وتعالي يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه وقَدْ جَاءَ وفد النجاشي فقام صلى الله عليه وسلم يخدمهم فَقَالَ أصحابه نكفيك قال إنهم كَانُوا لأصحابنا مكرمين وأنَا أحب أن أكافئهم.
وجاءته امرأة في عقلها شَيْء فقَالَتْ إن لي إليك حَاجَة فَقَالَ اجلسي في أي سكك الْمَدِينَة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك فخلا معها في بعض الطَرِيق حتى فرعت من حاجتها وجَاءَ في البخاري كانت الأمةُ تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.
ودخل الحسن بن علي والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي فركب علي ظهره وَهُوَ ساجد فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن فَلَمَّا فرغ قال له بعض أصحابه لَقَدْ أطلت سجودك قال إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم يباسط أصحابه وكَانَ رجل يسمي زهيراً يهادي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بما يستطرف من موجود البادية وكَانَ صلى الله عليه وسلم يهاديه ويكافئه بموجود الحاضرة وبما يستطرف منها وكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ زهير باديتنا ونَحْنُ حاضرته.
ولَقَدْ جَاءَ إلى السوق يَوْماً فوَجَدَ زهيراً قائماً من قبل ظهره وضمه بيده إلى صدره فأحس زهير أنه الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح ظهره في صدر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجَاءَ البركة من الله ثُمَّ من جسده صلى الله عليه وسلم فجعل صلى الله عليه وسلم يَقُولُ من يشتري الْعَبْد قال زهيرٌ إذاً تجدني كاسداً فَقَالَ المصطفي صلى الله عليه وسلم أَنْتَ عَنْدَ الله غالٍ.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يَقُولُ إِلا حقاً فمن ذَلِكَ أن رجلاً جاءه فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ احملني فَقَالَ أحَمَلَكَ علي ابن الناقة فَقَالَ ما عسي يغني عني ابن الناقة فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ويحك وهل يلد الجمل إِلا الناقة.
وجاءته مرة عجوز فقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ ادع الله لي أن يدخلني الْجَنَّة فَقَالَ يا أم فلان لا يدخل الْجَنَّة عجوز فولت تبكي فَقَالَ أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً}.
ومن ذَلِكَ أن أنساً كَانَ له أخ يُقَالُ له أبو عمير وكَانَ له نغر طائر صغير يلعب به فمَاتَ فدخل علي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم وَهُوَ حزين فَقَالَ: «ما شأنه؟» قيل له مَاتَ نغره فَقَالَ: «يا أبا عمير ما فعل النغير».
وكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يكرم كريم كُلّ قوم ويوليه أمرهم ويقبل معذرة المعتذر إليه وإليك قصة كعب بن زهير غضب كعب علي أخيه بجير حين أسلم وآمن بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله.
فكتب بجيرُ إل أخيه كعب يخبره بذَلِكَ وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فإن كَانَ لك في نفسك حَاجَة فصر إليه فإنه يقبل من جَاءَ تائباً ولا يطالبه بما عمل قبل الإسلام.
فَلَمَّا بلغ اْلكِتَاب كعباً فر إلى قبيلته لتجيره فأبت عَلَيْهِ ذَلِكَ فأشفق وخاف علي نَفْسهِ وأرجف به أعداؤه فقدم الْمَدِينَة ونزل علي علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فأتي به إلى المسجد وَقَالَ هَذَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقم إليه واستأمنه.
فسمَعَ كلامه وقام إليه حتى جلس بين يديه فوضع يده في يده قائلاً يَا رَسُولَ اللهِ إن كعب بن زهير قَدْ جَاءَ يستأمنك تائباً مسلماً فهل أَنْتَ قابل منه ذَلِكَ إن أَنَا جئتك به قال نعم قال أَنَا كعب بن زهير فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَقُولُ ما يَقُولُ.
ووثب إليه رجلٌ من الأنصار فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ دعني وعدو الله أضرب عنقه فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عَنْكَ فإنه قَدْ جَاءَ تائباً نازعاً ثُمَّ أخذ كعب في إنشاء قصيدته المشهورة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر خوفه وإرجافَ الوشاة به ومطلعها:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِيْ الْيَوْمَ مَتْبُوْلُ ** مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُوْلُ

إلي أن بلغ:
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُوْرٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ** مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُوْلُ

فرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بردته الشريفة إليه وعفا عَنْهُ كما هِيَ عادته الكريمة وكَانَ صلى الله عليه وسلم لا يواجه أَحَداً في وجهه بشَيْء يكرهه لسعة صدره وغزارة عقله وشدة حيائه وكَانَ صلى الله عليه وسلم يأمر بالرفق ويحث عَلَيْهِ وينهي عن العنف ويبغضه ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح اللَّهُمَّ صل وسلم عَلَيْهِ.
وكَانَ يزور ضعفاء المسلمين تلطفاً بِهُمْ وإيناساً لهُمْ ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم سواء كانت لشريفٍ أو وضيعٍ وبذَلِكَ كَانَ خَيْر أسوة وكَانَ صلى الله عليه وسلم أصبر النَّاس علي ما يكون من قبيح الأفعال مِنْهُمْ وسوء سيرتهم وقبيح سريرتهم لأن الله تَعَالَى شرح صدره فاتسع لما تضيق منه صدورهم.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم كاملاً في قوة عقله وإدراكه وصحة قياسه الفكري وصدق ظنونه وصحة فهمه وقوة حواسه مفطوراً علي الصبر والسكون والحياء والمروءة والْمَوَدَّة والرحمة والهداية للخلق وحب الْخَيْر لهُمْ وإعطاء الحكمة حقها في سائر أموره.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم ذا سياسة شريفة ومعارف منيفة ونظر ثاقب ورأي صائب وحدس موافق وفضائل مقصودة وأَخْلاق محمودة دينه الإسلام وخلقه القرآن يرضي لرضاه ويسخط لسخطه محرراً للشرائع حافظاً للودائع.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم كثير الأفضال يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويبذل لمن منعه ويعفو عمن ظلمه ويغضي طرفه عن القذى ويحبس نَفْسه عن الأذى لا ينتقم مَعَ القدرة ويصبر علي ما يشق ويكره ولا يزيد مَعَ أذي الجاهل إِلا صبراً وحلماً.
وما خُيِّرَ بين أمرين إِلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا وَكَمْ أعرض عن جاهل ومعاند وكَانَ صلى الله عليه وسلم يأكل مَعَ الخادم ويبادر إلى خدمة القادم ويرقعُ ثوبه ويخصف نعله ويقمُّ بيته ويخدم أهله ويحمل بضاعته من السوق مَعَ أنه سيد ولد آدم وأكرم الخلق علي الله.
وكَانَ صلى الله عليه وسلم رحيماً حتى بأعدائه ألم تر أنه لما دخل يوم فتح مَكَّة علي قريش: وقَدْ جلسوا بالمسجد الحرام وصحبه ينتظران أمره فيهم من قتل أو غيره.
قَالَ لِقُرَيْشٍ مَا تَظُنُّونَ أَنَّي فَاعِلٌ بِكُمْ قَالُوا خَيْرَاً أَخٌ كَرِيْمٌ وابنُ أَخٍ كَرِيْمٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَقُولُ كَمَا قَالَ أخِيْ يُوْسُفُ: لاَ تَثْرِيْبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ. اذْهَبْوا فأنْتُمُ الطُّلَقَاءُ وَلاَ غَرابَةَ فَقَدْ انْفَرَدَ بالأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ والمَحَاسِنَ والمَعَارِفَ والتَودُدَ والرِفْقِ وَمِنْ النَظْمِ الَّذِي لاَ يُصْلِحُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ إِلاَّ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم ما يلي:
تَلْقَاهُ وَهُوَ مَعَ الإحسانِ مُعْتِذَراً ** وقَدْ يُسِيءُ مُسِيءٌ وَهُوَ غَضْبَانُ

إِذَا بَدَا وَجَهُ ذَنْبِ فَهْوَ ذُوْ سِنَةٍ ** وَإِنْ بَدَا وَجْهُ خَطْبٍ فَهْوَ يَقْظَانُ

إِذَا تَيَمَّمَهُ العَافِي فكوْكَبُهُ ** سَعْدٌ ومَرْعَاهُ فِي وَادَيْهِ سَعْدَانُ

أحْيَا بِهِ اللهُ هَذَا الخَلْقَ كُلَّهُمُ ** كَأَنَهُ الرُوْحُ وَالمَخْلُوْقُ جُثْمَانُ

عِبَادَ اللهِ إن أمامكم يوم لا كالأيام يوم فيه من الأهوال والشدائد والكروب ما يشيب الوالدان وتذهل فيه المرضعة عما أرضعت يوم يتغير فيه العَالِم وينتهي نظامه الَّذِي نراه.
فتنثر الكواكب وتتساقط وتطوي السماء كطي السجل للكتب يزيلها الله وتبدل الأرض غير الأرض وتمد كما أخبر الله تَعَالَى وينفخ في الصور فيقوم النَّاس من قبورهم لرب العالمين.
وحينئذ يحشر الكافر أعمي لا يبصر أصم لا يسمَعَ أبكم لا ينطق يمشي عَلَى وَجْهِهِ لِيَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِ الأَمْر أنَّهُ مِنْ أَهْلِ الإِهَانَةِ ويَكُونُ أسْوَدَ الوَجْهِ أْزْرَقَ العَيْنَيْنِ فِي مُنَتْهَى العَطَشِ فِي يَوْمُ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِيْنَ ألفَ سَنَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الشَّمَسِ إِلا مِقْدَارُ مِيْلٍ.
إذْ ذَاكَ يِقِفُ مَبْهُوْتاً ذَاهِلَ العَقْلِ شَاخِصَ البَصَرِ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ تُرَاباً ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى النَّارِ ويُسْلَكُ فِي سِلْسِلةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً وَبَعْدَ دُخُولِهِ فِيْهَا لا يَخْرُجُ مِنَها أبَداً وَلاَ يَزَداُد إِِلاَ عَذَاباً ولا يُفَتَّرُ عَنْهُ.
إِن اسْتَغَاثَ يُغَاثُ بِمَاءٍ كَالُمْهلِ يَشْوِيْ الوُجُوْهَ ويُذِيْبُ الأَمْعَاءَ وَيُحْرِقُ الجُلُودَ تُحِيْطُ بِهِ النّارُ مِنْ كُلِ جِهَاتِهِ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مَهِادٌ ومِنْ فَوْقِهِم غَواشٍ كُلَّما نَضِجَ جِلْدُهُ بُدِّلَ جِلْداً غَيْرَهُ.
وكُلَّما أْرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا قُمِعَ بمَقَامََِعَ مِنْ حَدِيْدٍ كُلُ هَذَا العَذَابَ يُعَانِيْهِ ولا يَمُوْتُ {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} لا يَمُوتُ فِيْهَا ولا يَحْيَا وسَواءٌ صَبَرَ أمْ لَمْ يَصْبِرْ هُوَ خَالِدٌ فِي جَهَنَّمَ خُلُوداً لا انْتِهَاءَ لَهُ أبَدَاً.
عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بفرس يجعل كُل خطو منه أقصي بصره فسار وسار معه جبريل عَلَيْهِ السَّلام.
فأتي علي قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كُلَّما حصدوا عاد كما كَانَ فَقَالَ يا جبريل من هَؤُلاَءِ قال هَؤُلاَءِ المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهُمْ الحسنات بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شَيْء فهو يخلفه.
ثُمَّ أتي علي قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كُلَّما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذَلِكَ شَيْء قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الَّذِينَ تثاقُلْتُ رؤوسهم عن الصَّلاة.
ثُمَّ أتي علي قوم علي أدبارهم رقاع وعلي أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم قال: ما هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء الَّذِينَ لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد.
ثُمَّ أتي علي رجل قَدْ جمَعَ حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وَهُوَ يريد أن يزيد عَلَيْهَا قال: يا جبريل ما هَذَا، قال: هَذَا رجل من أمتك عَلَيْهِ أمانة النَّاس لا يستطيع أداءها وَهُوَ يريد أن يزيد عَلَيْهَا.
ثُمَّ أتي علي قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد كُلَّما قرضت عادت كما كانت لا يفترعنهم من ذَلِكَ شَيْء قال: يا جبريل ما هؤلاء، قال: خطباء الفتنة.
ثُمَّ أتي علي حجر صغير يخرج منه ثور عَظِيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع قال: ما هَذَا يا جبريل، قال: هَذَا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عَلَيْهَا فيريد أن يردها فلا يستطيع.
ثُمَّ أتي علي وادٍ فوَجَدَ ريحاً طيبةً ووَجَدَ ريح مسك مَعَ صوت فَقَالَ: ما هَذَا، قال: صوت الْجَنَّة، تَقُول: يارب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقَدْ كثر غرسي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقريي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي وعسلي ومائي ولبني وخمري ائتني بما وعدتني.
قال: لك كُلّ مسلم ومسلمة ومُؤْمِن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحاً ولم يشرك شيئاً ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو آمن ومن سألني أعطيته ومن أرضني جزيته ومن توكل علي كفيته إني أَنَا الله لا إله إلا أَنَا لا خلف لميعادي قَدْ أفلح المؤمنون تبارك الله أحسن الخالقين، فقَالَت: رضيت. ثُمَّ أتي علي وادٍ فسمِعَ صوتاً منكراً، فَقَالَ: يا جبريل ما هَذَا الصوت، قال: هَذَا صوت جهنم تَقُول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقَدْ كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني وقَدْ بعد قعري واشتد حري ائتني بما وعدتني قال لك كُلّ مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قَالَتْ: قَدْ رضيت، رواه البزار عن أبي العإلية – أو غيره – عن أَبِي هُرَيْرَةَ الترغيب والترهيب جـ 4 ص 454 في كتاب صفة الْجَنَّة والنار.
عن أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره».
وعنه رضي الله عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال في قوله: {سأرهقه صعوداً}، قال: «جبل من نار يكلف الكافر أن يصعده فإذا وضع يده عَلَيْهِ ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله عَلَيْهِ ذابت فإذا رفعها عادت يصعد سبعين خريفاً ثُمَّ يهوي كَذَلِكَ» رواه أَحَمَدُ والحاكمُ وَقَالَ: صحيح الإسناد.
عَظِيمٌ هَوْلُهُ وَالنَّاسُ فِيه ** حَيَارَى مِثْلَ مَبْثُوثِ الفَراشِ

بِهِ تَتَغَيَّرُ الالْوانُ خَوفَاً ** وتَصْطَكُّ الفَرائِضُ بارْتِعَاشِ

هُنَالِكَ كُلُّ مَا قَدَّمْتَ يَبْدُو ** فَعَيْبُكَ ظَاهِرٌ وَالسِّرُّ فَاشِ

تَفَقََّدْ نَقْصَ نَفْسِكَ كُلَّ يَوْم ** فَقَدْ أوْدَى بِهَا طَلَبُ المَعَاشِ

إلا لِمْ تَبْتَغِي الشَّهَواتِ طَوْرَاً ** وَطوْراً تَكْتْسِي لِيْنَ الرَّياش

اللَّهُمَّ ألحقنا بعبادك الابْرَار وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
نَمَاذِجُ مِنْ عَدْلِه صلى الله عليه وسلم من ذَلِكَ ما ورد عن عروة عن عَائِشَة أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قوها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به قال: عروه فَلَمَّا كلمه أسامه فيها تلوَّنَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ: أتكلمني في حد من حدود الله تعالى، فَقَالَ أسامة: استغفر لي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فأثني علي الله بما هُوَ أهله، ثُمَّ قال: أما بعد فإنما أهلك من كَانَ قبلكم أنهم كَانُوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عَلَيْهِ الحد والَّذِي نفس مُحَمَّد بيده لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطعت يدها.
ثُمَّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، الْحَدِيث أخرجه البخاري.
ولما كَانَ العباس عم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في وثاقه مَعَ الأسري يئنُّ فأرق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسئل عن سبب أرقه – أي عدم نومه – وقَدْ نصره الله نصراً مؤزراً قال: سمعت أنين العباس في وثاقه فأسرع بعض المُسْلِمِيْنَ لما سمعه وحل وثاقه وعاد فأخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه حل وثاق العباس قال صلى الله عليه وسلم اذهب فافعل ذَلِكَ بالأسري كلهم فتأمل هَذَا النصف والعدل منه صلى الله عليه وسلم.